السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم، أختي الكريمة...
بداية أقول: أي الخيارين سوف يعقبه العمل لهذا الاختيار بالتأكيد طبعاً..
فماذا لو أتيح لك حرية الاختيار، وخُيرت بين أن تدخل الجنة أم تدخل النار، فأيهما تختار؟!!!
لنفرض أنك كنت عاقلاً مدرك لحقائق الأمور وموقن بأن هناك جنة ونار، وأن الجنة نعيم وأن النار عذاب، وأن هذا أمر واقع لا محالة ولا مفر ولا مهرب منه، فربما تختار أن تدخل الجنة...
إذن هذا اختيار العقلاء، فلتسأل نفسك: على أي أساس أختار الجنة؟ هل أنا أصلح لدخول الجنة مع الأنبياء والشهداء والصالحين والصابرين والمستغفرين والذاكرين والمقيمي الصلاة والآمرين بالمعروف والناهون عن المنكر؟ هل أنا أتحمل معيشة دائمة خالدة لا موت فيها مع هؤلاء الناس وقد كنت أتحاشاهم في الدنيا بل وأسخر منهم بل وربما آذيتهم وحاربتهم حتى يعودوا لرشدهم ويتبعون الشهوات مثلنا جميعاً؟؟؟
هل يمكنني أن أقضي حياة الخلود بلا موت مع أناس لست منهم ولا هم مني؟ هل سمكنني التعايش والانسجام مع قوم كانوا يقومون في عز البرد ليتوضأوا ويصلون الفجر بينما أنا ناصح وعارف مصلحتي وأرفد تحت اللحاف دافئاً كي أحافظ على صحتي وعافيتي وأتحاشي نزلة برد، وربما كنت مشغولاً عن ذلك بأمور أهم وهي الكمبيوتر والانترنت والدش والمحمول والكلام مع الشباب والشابات عن الحب وخلافه...
هل يمكنني أن أعيش وسط أناس لم يتكبرون على أحد ومتواضعون ولا يسخرون من أحد ولايأمرون إلا بالمعروف وينهون عن المنكر، وأناس يحبون العفو وهم أقوياء قادرين على رد الإساءة بأشد منها وإنما يعفون لوجه الله تعالى ابتغاء تلك الدار وهي الجنة...
أين أنا من هؤلاء؟ ماذا فعلت لكي أكون معهم؟ ولنفرض أن رحمني الله سبحانه وتعالى برحمة من عنده ودخلت الجنة!!! هل أستطيع أن أتحمل تلك المعيشة الدائمة وسط هؤلاء الناس الشرفاء الطيبيون المتسامحون الذين أفنوا أنفسهم وأهليهم وحياتهم الدنيا ابتغاء ذلك اليوم وذلك المكان ورغبة ورهبة وشوقاً في الجيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه والتابعين؟
ترى؟!! هل يمكنني أن أتحمل العيش بينهم؟!! وأنا خلقي غيرهم، وطبعي غيرهم، وطموحاتي غيرهم؟؟
ولو غصبت على نفسي أن أعيش بينهم، هل يستطيعون هؤلاء القوم أن يتعايشوا معي ويقبلون ذلك بأخلاقي هذه؟؟
أتخيل الموقف: أناس طيبين مؤمنين متسامحين متحابين في الله ورسوله يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة متوكلين حق التوكل على الله في كل شيء وفي الرزق خصوصاً... بينما أنا قلق متوتر متلهف على خطف لقمة العيش من هنا ومن هناك وأخشى الفقر إذا لم أكذب وأنافق وأخشى أن أترك جزءا من عملي للصلاة أو للذكر خشية أن يفوتني مكسب بعض الدراهم
والدنانير؟؟؟
ثم السؤال الهام والأخير: عندما اخترت الجنة، ألم أكن أعلم أن لكل شيء ثمن؟ نعم، فهؤلاء القوم دفعوا بالدنيا كلها من أجل الفوز برضا الرحمن الرحيم وطمعاً بتجارة مع الله عز وجل يدخلهم بها الجنة ويقيهم بها شر النار، فماذا فعلت أنا؟ وماذا سأفعل؟ لا يحق لي ولا ينفع لي ولا يجوز لي ولا يعقل حتى لي ولا لغيري أن أربح الدنيا والآخرة معاً، وللعلم: لن يربح أحد الدنيا فلننظر للتاريخ وللسابقين، من منهم ربح الدنيا كلها ومات موتة هنية ضمن بها الجنة؟ فالمتكبرين الذين حاولوا ربح الدنيا قد خسروا أنفسهم وعاشوا في قلق وذل ومهانة لأنفسهم ومن الجميع بالرغم من السلطة والمال، ولن يغني عنهم من الله شيئاً في الدنيا ولا في الآخرة..
لا حول ولا قوة إلا بالله
لنفرض الاختيار الآخر وهو أنك كبرت دماغك وقلت أختار جهنم!!!
هل تتحمل جهنم؟ هل تتطيقها أم حتى تطيق النظر إليها؟ هل تتحمل صوتها حتى؟ لا أعتقد، ولو كابرت فأقول لك: حاول أن تطفئ عود كبريت مشتغل بين اصابعك، وانظر بماذا ستشعر؟؟ وهذا فقط عود كبريت!!!
فما بالك بجهنم التي ترمي بشرر كالقصر؟؟!!!
ولو أنك اخترت جهنم فأقول لك هنيئاً لك قد اخترت مكانك المناسب فاهنأ به ومع قوم سوف تتعايش معهم وتعجبك عيشتهم لأنهم كانوا يعملون مثلما كنت تعمل أنت في الحياة الدنيا، فالنار مثواكم وبئس مثوى المتكبرين...
أخي الكريم المسلم العاقل:
اتقي الله،اتقي النار، اتقي يوما يشيب فيه الولدان، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا تفعل سوى ما أمرك به الله، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، اقرأ وتعلم وخالط الصالحين وتعلم منهم فرائض دينك واترك العمل وقت الصلاة، فلن يفوتك الرزق، واترك الشهوات لمن يطلبها ويبغي النار مع أمثاله من المتكبرين...
فالاختيار يعقبه العمل...
فاسأل نفسك بصراحة: هل لو أنا مت الآن على ما أنا عليه، وعلى كل ما فعلته في حياتي هل أستحق دخول الجنة؟ هل أستحق رضا الرحمن، هل أستحق شفاعة والجيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل أستحق أن أدخل الجنة بغير حساب بأعمالي؟ هل سيظلني الله سبحانه وتعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله وتكون الشمس فوق الرؤوس ولا مفر من ذلك، هل عندي أعذار كافية لأدخل بها الجنة؟
أما إذا كانت الإجابة لا، لا لن أدخل الجنة إذا مت الآن، فما العمل؟ ما الحل؟ ما المخرج من تلك المصيبة؟ والموت ينتظرنا ربما الآن.. ربماغداً..ربما بعد عشر أو خمسون عاماً قادمة.. الموت ينتظر لا مفر ولا مهرب وكلنا ندرك أن السابقين كلهم ماتوا والحاليين كلهم سيموتوا والقادمين سيموتوا جميعاً مهما طال الأجل ومهما طال العمر ومهما تمسكنابالدنيا وشهواتها فسوف تتركنا هي تلك الشمطاء العجوز الحياة الدنيا التي لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة والتي عرفها وفهمها السابقون من الأنبياء والرسل والصالحون فتركوها لأنها لا تستحق كل اللهث والجري وراءها طمعاً في نعيمها ورضاها وهي فانية هالكة وكلها تافهة لا تستحق... فكن سنحيا فيها؟ خمسون أم ستون وربما تسعون عاماً، فسوف ينتهون في غفلتنا ولهثنا على متعة الحياة الدنيا.. وهي بكل صراحة لا متعة فيها حقيقية إطلاقاً!!! فكر وتدبر، ما أجمل وأكبر طموح لك في الدنيا؟ أن تكون ملكاً، ولنفرض أن ذلك حدث، هل سيغني ذلك عنك من الله شيئاً؟؟ أبداً والله، سوف يزيد ظلمك وتكبرك وجبروتك وتزداد آثامك وذنوبك ومعاصيك ثم يأتيك الموت فجأة وعندئذ تقول ياليتني كنت تراباً أو حماراً أو حتى تبنة، فلن يغني عني شيئاً كل فعلته من أجل نعيم الدنيا، فكل الثروات والسلطة سوف تذهب لآخرين يتمتعون بها في الحياة الدنيا، وقد انتهى دوري فيه وسوف ألقى مصيري في الآخرة الذي اخترته وهو الجنة أم النار...
ولن أطيل عليكم فهذه مجرد تذكرة وخواطر ربما تفتح لك باب التفكر والتذكر والتدبر في مصيرك المحتوم: الجنة أم النار
حفظنا الله وإياكم من شر النار، ووفقنا لما يحب ويرضيى
م . ن . ق . و .ل
موضوع: لو خُيرتَ بين الجنة والنار 
السبت أغسطس 01, 2009 8:32 am